في رواية " رجوع إلى الطفولة" لليلى أبو زيد
تمهيــــد:
تعد رواية " رجوع إلى الطفولة" لليلى أبو زيد من الروايات المغربية القليلة التي تثير قضية الكتابة النسائية من داخل عالم المرأة، وتنقل لنا خصوصيات المجتمع النسوي وعلاقاته التفاعلية مع المجتمعات الأخرى المتآلفة و المتضادة من خلال ثنائية الأنا والغير أو ثنائية الذكورة والأنوثة.
وترصد لنا الرواية مجموعة من التيمات الفرعية الأخرى التي تتسم بالجرأة السياسية والشجاعة الأدبية في البوح والاعتراف والتصريح وممارسة النقد الذاتي كاستعراض موضوع السجن وتناول تيمة الوطن، وتيمة الطفولة، وتيمة السياسة، وتيمة حقوق الإنسان، كما تجسد لنا الرواية صراع الوطنيين ضد الاستعمار الفرنسي والتجبر السياسي في مغرب ما بعد الاستقلال.
هذا، وتستقرىء الرواية المجتمع الأمازيغي في الأطلس المتوسط عبر تشخيص تناقضاته الجدلية الداخلية والخارجية، وتصوير المجتمع المغربي بواسطة منظور مثقفة أنثى عبر سرد حكائي نسائي يقدم رؤية المرأة المغربية إلى الذات والواقع عبر استذكار الكاتبة لطفولتها في شريط استرجاعي مأسلب بطريقة تراجيدية صادمة تمزج الفصحى بالدارجة قصد الاقتراب من الموضوعية الصريحة والإيهام بالواقعية و اتخاذ الحياد السردي في نقل أفكار الشخصيات وتشخيص صراعاتهم الجدلية وتمزقاتهم النفسية الداخلية والخارجية.
وترصد لنا الرواية مجموعة من التيمات الفرعية الأخرى التي تتسم بالجرأة السياسية والشجاعة الأدبية في البوح والاعتراف والتصريح وممارسة النقد الذاتي كاستعراض موضوع السجن وتناول تيمة الوطن، وتيمة الطفولة، وتيمة السياسة، وتيمة حقوق الإنسان، كما تجسد لنا الرواية صراع الوطنيين ضد الاستعمار الفرنسي والتجبر السياسي في مغرب ما بعد الاستقلال.
هذا، وتستقرىء الرواية المجتمع الأمازيغي في الأطلس المتوسط عبر تشخيص تناقضاته الجدلية الداخلية والخارجية، وتصوير المجتمع المغربي بواسطة منظور مثقفة أنثى عبر سرد حكائي نسائي يقدم رؤية المرأة المغربية إلى الذات والواقع عبر استذكار الكاتبة لطفولتها في شريط استرجاعي مأسلب بطريقة تراجيدية صادمة تمزج الفصحى بالدارجة قصد الاقتراب من الموضوعية الصريحة والإيهام بالواقعية و اتخاذ الحياد السردي في نقل أفكار الشخصيات وتشخيص صراعاتهم الجدلية وتمزقاتهم النفسية الداخلية والخارجية.
1/ العتبات المناصية:
أ- عتبــــة المؤلـــف:
من المعروف أن ليلى أبو زيد كاتبة مغربية وقصاصة وروائية ورحالة، بدأت الكتابة الأدبية منذ أواخر السبعينيات، وصارت مشهورة في مجال الكتابة النسائية بالمغرب ، درست اللغة الإنجليزية بجامعة محمد الخامس بالرباط، وتابعت دراساتها الجامعية العليا في جامعة تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية بأوستين. مارست الصحافة والإعلام ، وكانت مذيعة تلفزيونية، واشتغلت في عدة دواوين وإدارات وزارية، من بينها ديوان الوزير الأول.
هذا، وقد اهتمت الكاتبة بالترجمة من الإنجليزية إلى اللغة العربية، فترجمت كتاب سيرة محمد الخامس والسيرة الذاتية لملكوم إكسMalkom X من الإنجليزية إلى اللغة العربية، ومن جهة أخرى، ترجمت أعمال ليلى أبو زيد بدورها إلى الهولندية والألمانية والفرنسية والإنجليزية.
ومن أعمالها: رواية "عام الفيل"، ورواية" الفصل الأخير"، ومجموعتان قصصيتان: "الغريب" و"المدير"، ورحلات كرحلة" أمريكا: الوجه الآخر"، ورحلة" بضع سنبلات خضر".
هذا، وقد اهتمت الكاتبة بالترجمة من الإنجليزية إلى اللغة العربية، فترجمت كتاب سيرة محمد الخامس والسيرة الذاتية لملكوم إكسMalkom X من الإنجليزية إلى اللغة العربية، ومن جهة أخرى، ترجمت أعمال ليلى أبو زيد بدورها إلى الهولندية والألمانية والفرنسية والإنجليزية.
ومن أعمالها: رواية "عام الفيل"، ورواية" الفصل الأخير"، ومجموعتان قصصيتان: "الغريب" و"المدير"، ورحلات كرحلة" أمريكا: الوجه الآخر"، ورحلة" بضع سنبلات خضر".
ب- الكتــــابة النسائية:
يمكن إدراج هذه الرواية ذات الطابع الأوطوبيوغرافي ضمن ما يسمى بالكتابة النسائية التي تتناول قضايا المرأة و صراعها ضد محيطها الاجتماعي الذي يضع عدة متاريس أمام تحرر المرأة وإثبات كيوننتها الوجودية. كما تتناول هذه الكتابة جدلية الأنوثة والذكورة، وتصوير مشاعر المرأة وأحاسيسها الذاتية والتعرض لقضية العنوسة والزواج والطلاق والحب والجنس وتجسيد حضور المرأة داخل أسرتها وكفاحها المستميت من أجل تحقيق الأنا والتكيف مع الواقع الموضوعي والصراع مع الطبيعة. وهناك كتابة نسائية أخرى تبتعد عن شواغلها الذاتية لترصد قضايا وطنية واجتماعية وقومية ، ولكن من خلال رؤية ذاتية إنسانية أنثوية متدفقة بالمشاعر والأحاسيس النابضة بالنبل والانفعالات المتقدة ورقة المشاعر والعواطف.
ومن المبدعات المغربيات اللواتي كرسن حياتهن للكتابة السردية في مجال الرواية نستحضر: آمنة اللوه، وخناثة بنونة، وحليمة الإسماعيلي، وفاطمة الراوي، وليلى أبو زيد،ونزهة برادة، وأولاد حمو يشو فاطمة، وزهرة رميج، وبنكرعي حليمة، وحجوب رحيمو، والحر حفيظة، وليلى الحلو، وحياوي دليلة ،ودحان عنتر زهراء، والرمال أمينة، وزين العابدين حليمة، والسالمي ربيعة، والسائح ليلى، والعاجي سناء، وكرام زهور، وخديجة مروازي، ومستظرف مليكة، والهاشمي البلغيثي آسية.
وتتمثل الكتابة النسائية في رواية" رجوع إلى الطفولة" لليلى أبو زيد في استعراض تاريخ أسرتها إبان الحماية الفرنسية وأثناء الاستقلال وبعده إلى سنة 1982م، تاريخ وفاة والدها أحمد أبو زيد. كما ترصد هذه الرواية نضال أم الكاتبة التي كافحت من أجل الحفاظ على زوجها وحماية أسرتها ومساعدة بعلها في أحلك الظروف، حيث كانت تعاني الكثير في انتقالاتها من صفرو إلى القنيطرة أو إلى الرباط أو الدار البيضاء أو بني ملال أو القصيبات، كما كانت تعاني من الصراع المصطنع الذي فرضته أسرة الزوج التي كانت تنظر إليها نظرة دونية شزراء.
ومن ثم، صورت الرواية بكل أمانة وموضوعية الصراع الاجتماعي داخل المنازل والأسر ، ذلك الصراع الطاحن المبني على إثارة الفتن والإحن والأحقاد، خاصة الصراع الحاد بين الزوجة وحماتها أو الصراع مع حميها، وقد رأينا هذا الصراع يتأجج في البداية ويحتد في الوسط ليخفت في النهاية وينتهي بالتصالح.
هذا، وتنقل لنا الكاتبة طفولتها وطفولة أخواتها من خلال استعراض صراعهن ضد الواقع الاستعماري، ونضال الكاتبة من أجل التعلم وإبراز ذاتها في التثقيف والتكوين الذاتي عبر مجموعة من المحطات التعليمية داخل مدن المغرب، والتي انتهت بتفوق ليلى دراسيا وتفتق مواهبها الأدبية واللغوية ، وسفرها إلى الخارج لاستكمال دراساتها ومواصلة نضالها الثقافي والفكري.
ومن المبدعات المغربيات اللواتي كرسن حياتهن للكتابة السردية في مجال الرواية نستحضر: آمنة اللوه، وخناثة بنونة، وحليمة الإسماعيلي، وفاطمة الراوي، وليلى أبو زيد،ونزهة برادة، وأولاد حمو يشو فاطمة، وزهرة رميج، وبنكرعي حليمة، وحجوب رحيمو، والحر حفيظة، وليلى الحلو، وحياوي دليلة ،ودحان عنتر زهراء، والرمال أمينة، وزين العابدين حليمة، والسالمي ربيعة، والسائح ليلى، والعاجي سناء، وكرام زهور، وخديجة مروازي، ومستظرف مليكة، والهاشمي البلغيثي آسية.
وتتمثل الكتابة النسائية في رواية" رجوع إلى الطفولة" لليلى أبو زيد في استعراض تاريخ أسرتها إبان الحماية الفرنسية وأثناء الاستقلال وبعده إلى سنة 1982م، تاريخ وفاة والدها أحمد أبو زيد. كما ترصد هذه الرواية نضال أم الكاتبة التي كافحت من أجل الحفاظ على زوجها وحماية أسرتها ومساعدة بعلها في أحلك الظروف، حيث كانت تعاني الكثير في انتقالاتها من صفرو إلى القنيطرة أو إلى الرباط أو الدار البيضاء أو بني ملال أو القصيبات، كما كانت تعاني من الصراع المصطنع الذي فرضته أسرة الزوج التي كانت تنظر إليها نظرة دونية شزراء.
ومن ثم، صورت الرواية بكل أمانة وموضوعية الصراع الاجتماعي داخل المنازل والأسر ، ذلك الصراع الطاحن المبني على إثارة الفتن والإحن والأحقاد، خاصة الصراع الحاد بين الزوجة وحماتها أو الصراع مع حميها، وقد رأينا هذا الصراع يتأجج في البداية ويحتد في الوسط ليخفت في النهاية وينتهي بالتصالح.
هذا، وتنقل لنا الكاتبة طفولتها وطفولة أخواتها من خلال استعراض صراعهن ضد الواقع الاستعماري، ونضال الكاتبة من أجل التعلم وإبراز ذاتها في التثقيف والتكوين الذاتي عبر مجموعة من المحطات التعليمية داخل مدن المغرب، والتي انتهت بتفوق ليلى دراسيا وتفتق مواهبها الأدبية واللغوية ، وسفرها إلى الخارج لاستكمال دراساتها ومواصلة نضالها الثقافي والفكري.
ج- التعييـــن الجنسي:
تندرج رواية" رجوع إلى الطفولة" لليلى أبو زيد في خانة السيرة الذاتية؛ لأن الكاتبة تسترجع طفولتها عبر شريط استرجاعي هابط من حيث الإيقاع الزمني، والعنوان خير دليل على ذلك ويتكون من كلمة:" رجوع" و" طفولة". ومن ثم، فالرواية لها امتدادات نفسية في الزمن، إذ تسترجع ليلى أبو زيد ذكرياتها الشخصية وتفصل في تقاسيم شخصيتها ، وذكر مواهبها المعرفية والتربوية عبر فعل التخييل والتذكر والبوح والاسترجاع، وتدقق أيما تدقيق في استذكار تفاصيل أسرتها التي عانت الكثير من جراء مطاردة المستعمر لأبيها أحمد أبو زيد، الرجل الوطني الذي ضحى بنفسه من أجل تحرير المغرب من قبضة المستعمر.
ولم تبق الرواية أسيرة الخطاب الأوطبيوغرافي القائم على ضمير المتكلم والرؤية الداخلية والسارد المشارك والتطابق بين المؤلف الواقعي والشخصية المتخيلة داخل المتن الروائي، بل هي رواية أطروحة تنتقد الكاتبة فيها السياسة الحكومية الرسمية ،و توجه نقدها للمعارضة الحزبية التي كانت تؤمن بمجموعة من الأهواء الإيديولوجية والديماغوجية التي تتنافر مع الواقع الموضوعي. لذا، نجد الكاتبة تعاتب أباها وتخالفه في أطروحاته السياسية:
" وفي 1976 قلت له بعدما رجعت من مهرجان الشباب العربي في بغداد:
- قال لي أحد أعضاء الوفد الجزائري،أستاذ مساعد في كلية الآداب بالجزائر العاصمة ومسؤول في منظمة الشباب الجزائرية اسمه إبراهيم حران،( وكان العداء متحكما بين المغرب والجزائر بسبب الصحراء)قال لي:" لقد خنت أباك. كيف تعملين في الوزارة الأولى وأبوك له سجل حافل في المعارضة؟
فقال أبي مستنتجا بفكره المنقب:
- عرف ذلك من الاتحاديين في الوفد المغربي.
- قلت له:" لو كان الطرف الآخر يفكر بمثل هذا المنطق(منطق مقدم حينا) لما اشتغل ابن معارض في بلادنا." قلت له:
" أولا أنا مغربية ولي الحق في أن اعمل في أي جهاز مغربي إن كنت مؤهلة لذلك.أليست هذه هي روح الديمقراطية؟ ثانيا أنا الآن، صراحة، استغرب أن يكون والدي قد انساق وراء أفكار المعارضة تلك، لا أفهم كيف يترك المثقف المسلم المعاصر مبادئ أزلية تابعة من ذاته ومكوناته وهويته وموروثه، مبادئ يملكها، هي من وضع الله ويتبع مبادئ وافدة، أنا لم أخن. أنا بقيت وفية لأصالتي هو الذي حاد وراء أفكار علمانية مجلوبة من الغرب" ولم يقل والدي شيئا. بقي يتأمل ولم يقل شيئا. توفي والدي في 1982 وعمره ستون عاما ومازالت تلك المسائل التي أثرتها معه ذلك اليوم بدون جواب."
ومن هنا، فرواية ليلى أبو زيد على الرغم من كونها سيرة ذاتية، فهي رواية اجتماعية وسياسية ووطنية ذات طابع استرجاعي تذكري، تلتقط تفاصيل الحياة الموضوعية المتعددة الأبعاد بواسطة الأنا اللاقطة الساردة التي عايشت الأحداث مباشرة أو غير مباشرة.
ومن المعروف لدى القراء والدارسين، أن الرواية المغربية ولدت من معطف السيرة الذاتية مع التهامي الوزاني في روايته"الزاوية"، و عبد المجيد بن جلون" في الطفولة "، وإدريس الشرايبي في روايته الفرنسية:" صندوق العجائب"، و بول باولز حول العربي العياشي ومحمد المرابط Paul Bowl's Moroccan autobiographies في" السير المغربية"، ومحمد شكري في "الخبز الحافي " و" الشطار "، والعربي باطما في سيرتيه:" الألم" و"الرحيل"، وعمر والقاضي في سيرته" الجمرة الصدئة" الخ.
لذا، فمن الطبيعي حينما يريد المبدع المغربي أن يكتب الرواية يجرب في البداية ريشة التذكر الذاتي والتخييل الشخصي والاعتراف الداخلي ويسترسل في التصريح بمعاناة أناه واسترجاع الطفولة من خلال استحضار الذات وضمير الأنا والحكي بقلم المتكلم الداخلي
ولم تبق الرواية أسيرة الخطاب الأوطبيوغرافي القائم على ضمير المتكلم والرؤية الداخلية والسارد المشارك والتطابق بين المؤلف الواقعي والشخصية المتخيلة داخل المتن الروائي، بل هي رواية أطروحة تنتقد الكاتبة فيها السياسة الحكومية الرسمية ،و توجه نقدها للمعارضة الحزبية التي كانت تؤمن بمجموعة من الأهواء الإيديولوجية والديماغوجية التي تتنافر مع الواقع الموضوعي. لذا، نجد الكاتبة تعاتب أباها وتخالفه في أطروحاته السياسية:
" وفي 1976 قلت له بعدما رجعت من مهرجان الشباب العربي في بغداد:
- قال لي أحد أعضاء الوفد الجزائري،أستاذ مساعد في كلية الآداب بالجزائر العاصمة ومسؤول في منظمة الشباب الجزائرية اسمه إبراهيم حران،( وكان العداء متحكما بين المغرب والجزائر بسبب الصحراء)قال لي:" لقد خنت أباك. كيف تعملين في الوزارة الأولى وأبوك له سجل حافل في المعارضة؟
فقال أبي مستنتجا بفكره المنقب:
- عرف ذلك من الاتحاديين في الوفد المغربي.
- قلت له:" لو كان الطرف الآخر يفكر بمثل هذا المنطق(منطق مقدم حينا) لما اشتغل ابن معارض في بلادنا." قلت له:
" أولا أنا مغربية ولي الحق في أن اعمل في أي جهاز مغربي إن كنت مؤهلة لذلك.أليست هذه هي روح الديمقراطية؟ ثانيا أنا الآن، صراحة، استغرب أن يكون والدي قد انساق وراء أفكار المعارضة تلك، لا أفهم كيف يترك المثقف المسلم المعاصر مبادئ أزلية تابعة من ذاته ومكوناته وهويته وموروثه، مبادئ يملكها، هي من وضع الله ويتبع مبادئ وافدة، أنا لم أخن. أنا بقيت وفية لأصالتي هو الذي حاد وراء أفكار علمانية مجلوبة من الغرب" ولم يقل والدي شيئا. بقي يتأمل ولم يقل شيئا. توفي والدي في 1982 وعمره ستون عاما ومازالت تلك المسائل التي أثرتها معه ذلك اليوم بدون جواب."
ومن هنا، فرواية ليلى أبو زيد على الرغم من كونها سيرة ذاتية، فهي رواية اجتماعية وسياسية ووطنية ذات طابع استرجاعي تذكري، تلتقط تفاصيل الحياة الموضوعية المتعددة الأبعاد بواسطة الأنا اللاقطة الساردة التي عايشت الأحداث مباشرة أو غير مباشرة.
ومن المعروف لدى القراء والدارسين، أن الرواية المغربية ولدت من معطف السيرة الذاتية مع التهامي الوزاني في روايته"الزاوية"، و عبد المجيد بن جلون" في الطفولة "، وإدريس الشرايبي في روايته الفرنسية:" صندوق العجائب"، و بول باولز حول العربي العياشي ومحمد المرابط Paul Bowl's Moroccan autobiographies في" السير المغربية"، ومحمد شكري في "الخبز الحافي " و" الشطار "، والعربي باطما في سيرتيه:" الألم" و"الرحيل"، وعمر والقاضي في سيرته" الجمرة الصدئة" الخ.
لذا، فمن الطبيعي حينما يريد المبدع المغربي أن يكتب الرواية يجرب في البداية ريشة التذكر الذاتي والتخييل الشخصي والاعتراف الداخلي ويسترسل في التصريح بمعاناة أناه واسترجاع الطفولة من خلال استحضار الذات وضمير الأنا والحكي بقلم المتكلم الداخلي
.
د- العنونة الفضائية:
تعتبر رواية " رجوع إلى الطفولة" لليلى أبو زيد رواية فضائية ترتكز على الإيقاع الزمني والمكاني عبر تسجيل ذبذبات التوتر والصراع وتحبيك الأحداث المشحونة بالمأساة والدراما الإنسانية. لذا، يحيل العنوان الخارجي للرواية على المكون الزمني الاسمي الذي يستلزم حركية الاسترجاع نحو الماضي وتفتيق الذاكرة بوحا واعترافا وتصريحا، واستكناه هذا الماضي وتشريحه من جميع النواحي. ومن المعلوم أن الماضي في الرواية يتقاطع مع الحاضر والمستقبل، فتختلط أوراق ليلى مع أوراق الأم من جهة، ومع أوراق الأب من جهة أخرى، فترتبط الأم بالمنزل والأسرة، ويقترن الأب بالسجن، بينما ترتبط البنت ليلى بالمدرسة والتعلم.
وتعود الرواية عبر المؤشر العنواني إلى الماضي لاسترجاع الطفولة المنسية الخاصة بليلى، ولكن هذا الاسترجاع هو استرجاع لذكريات الأم والأب والإشادة بنضالهما ضد الواقع الاستعماري، فالأب يتصارع مع قوى البطش والتجبر التي تستهدف إذلال المغاربة والزج بهم في سجون التعذيب حيفا وانتقاما، بينما تشمر الأم عن ساعدها لتواجه بكل بسالة وصبر سيزيفي التقاليد الأسرية البالية وعاداتها الظالمة من ناحية، ولتقف ضد الحماية الفرنسية والظلم الاجتماعي من ناحية أخرى. ومن ثم، فصورة ليلى باهتة في شريط الماضي، ولم تكبر هذه الصورة وتبرز حكائيا إلا بعد الاستقلال وبالضبط في السنوات الأخيرة من القرن العشرين ولاسيما قبل وفاة الأب بسنوات قليلة.
وتتخذ العناوين الداخلية في الرواية طابعا فضائيا ومكانيا( القصيبة وصفرو والدار البيضاء والرباط)،ويعني هذا أن الرواية تتسم كذلك بطابع الرحلة التي من تعاريفها انتقال الإنسان في الفضاء الزمكاني،أي إن هذه الرواية عبارة عن رحلة في الزمان والمكان، ويقصد بهذا أن ليلى أبو زيد ماتزال لم تتخلص بعد من أسلوب الرحلة الذي تستثمره دائما بطريقة واعية أو غير واعية في رواياتها الإبداعية.
وباختصار، تنقل لنا الرواية فضائيا تقابلا بين الفضاء الأمازيغي (الأطلس المتوسط/القصيبة) والفضاء العروبي( صفرو، الرباط، الدار البيضاء)، وتقابلا بين الفضاء البدوي القروي( القصيبة) والفضاء المديني ( الرباط والدار البيضاء).
وتعود الرواية عبر المؤشر العنواني إلى الماضي لاسترجاع الطفولة المنسية الخاصة بليلى، ولكن هذا الاسترجاع هو استرجاع لذكريات الأم والأب والإشادة بنضالهما ضد الواقع الاستعماري، فالأب يتصارع مع قوى البطش والتجبر التي تستهدف إذلال المغاربة والزج بهم في سجون التعذيب حيفا وانتقاما، بينما تشمر الأم عن ساعدها لتواجه بكل بسالة وصبر سيزيفي التقاليد الأسرية البالية وعاداتها الظالمة من ناحية، ولتقف ضد الحماية الفرنسية والظلم الاجتماعي من ناحية أخرى. ومن ثم، فصورة ليلى باهتة في شريط الماضي، ولم تكبر هذه الصورة وتبرز حكائيا إلا بعد الاستقلال وبالضبط في السنوات الأخيرة من القرن العشرين ولاسيما قبل وفاة الأب بسنوات قليلة.
وتتخذ العناوين الداخلية في الرواية طابعا فضائيا ومكانيا( القصيبة وصفرو والدار البيضاء والرباط)،ويعني هذا أن الرواية تتسم كذلك بطابع الرحلة التي من تعاريفها انتقال الإنسان في الفضاء الزمكاني،أي إن هذه الرواية عبارة عن رحلة في الزمان والمكان، ويقصد بهذا أن ليلى أبو زيد ماتزال لم تتخلص بعد من أسلوب الرحلة الذي تستثمره دائما بطريقة واعية أو غير واعية في رواياتها الإبداعية.
وباختصار، تنقل لنا الرواية فضائيا تقابلا بين الفضاء الأمازيغي (الأطلس المتوسط/القصيبة) والفضاء العروبي( صفرو، الرباط، الدار البيضاء)، وتقابلا بين الفضاء البدوي القروي( القصيبة) والفضاء المديني ( الرباط والدار البيضاء).
هــ- المقتبس النصي:
تستفتح ليلى أبو زيد روايتها بمقتبس نصي لكلود ليڤي شتروس الذي يبين فيه بأن أية رواية أو أية قصة أو أي اعتراف أوطبيوغرافي إلا ويوفر قسطا من المعلومات سواء أكانت فردية شعورية أم لاشعورية أو نصيبا من الاستضمار اللاشعوري الجماعي الذي يعبر لنا عن المكبوتات والصراعات الموجودة لدى الجماعات الاجتماعية في مخزونها الفطري والبدائي والأنطروبولوجي ضد عداوة الآخر. يقول كلود ليڤي شتروس:" مامن حياة وما من راوية لأية قصة إلا وتوفر معلومات هامة وتبصرا في وعي جماعي أوسع".
ويعني هذا أن الرواية وثيقة استخبارية مهمة في معرفة التاريخ المغربي من بداية الحماية إلى سنوات الجمر والرصاص من مغرب مابعد الاستقلال مرورا إلى مغرب التناوب و الحريات وحقوق الإنسان.
ويعني هذا أن الرواية وثيقة استخبارية مهمة في معرفة التاريخ المغربي من بداية الحماية إلى سنوات الجمر والرصاص من مغرب مابعد الاستقلال مرورا إلى مغرب التناوب و الحريات وحقوق الإنسان.
2- قضـــايا الرواية:
تتناول رواية " رجوع إلى الطفولة" لليلى أبو زيد عدة قضايا وتيمات دلالية، ومن أهم هذه القضايا نذكر: السجن السياسي، والصراع الاجتماعي، واسترجاع ذاكرة الطفولة التي تحدثنا عنها سابقا.
أ- السجن والتعذيب:
تستحضر الرواية في تقاسيمها الحكائية ومنعرجاتها السردية طفولة الكاتبة ليلى في معايشتها لمعاناة أسرتها التي قدمت الكثير من أجل الوطن لتحريره من قبضة المحتل الفرنسي، بيد أن الأب أحمد أبو زيد سيتعرض للاعتقال من قبل حكام السلطة الاستعمارية لما قدمه من مساعدة للوطنيين بعد أن كان خادما لهم يترجم أقوال الأمازيغيين في منطقة القصيبات الكائنة في الأطلسي المتوسط.
هذا، وقد صورت الكاتبة البنت ما تعرض له أبوها من التعذيب داخل سجنه سواء في المرحلة الاستعمارية أم بعد الاستقلال ، وكان يعد من أبرز الأعضاء النشيطين في حزب الاتحاديين يؤمن بالأفكار الاشتراكية الوافدة من الشرق الأوروپي، يدافع عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والقضاء على كل مايسبب الصراع الاجتماعي والتفاوت الطبقي . بيد أن الأب الذي صار باشا بني ملال في مغرب الاستقلال سرعان مايزج به في السجن مرة أخرى بتهمة الإعداد لمؤامرة الانقلاب على ملك المغرب إبان سنوات عقد الستين من القرن العشرين . فتعرض الوطنيون لعذاب قل نظيره أثناء سنوات الجمر والرصاص التي ذهب ضحيتها الكثير من المعارضين والوطنيين والمفكرين الاشتراكيين و الأبناء الأبرياء من هذا الشعب الأبي.
وعليه، تعد الرواية من روايات أدب السجن السياسي أو الرواية السياسية، إذ تصور الرواية مراحل الاعتقال والاستنطاق واختلاق التهم ضد المدعى عليه وإدخاله إلى الزنزانة وممارسة التعذيب الوحشي اللاإنساني ضده ، هذا التعذيب قد يؤدي بالضحية المعتقلة إلى الموت أو حياة البقاء، ولكن في حالة يرثى لها.
هذا، ويحضر نوعان من السجن السياسي في الرواية: السجن السياسي الاستعماري والسجن السياسي الوطني بعد الاستقلال، فالأول يستهدف التنكيل بالمواطنين الذين يعارضون وجود المحتل في المغرب ، والثاني يصادر حقوق الإنسان ويحرمه من حرياته الخاصة والعامة ، ويقمع كل من سولت له نفسه نقد النظام السياسي أو معارضته فكرا وتصورا واقتراحا.
ومن ناحية أخرى، تقدم الرواية مشاهد تراجيدية في التعذيب وتصوير الوطنيين المخلصين الذين استرخصوا حياتهم وأموالهم من أجل حرية البلاد والعمل على استقلال الوطن، فقد كان أحمد أبو زيد وطنيا يهرب الأسلحة من أجل التصدي للمحتل الغاشم،وفي هذا الصدد تقول الساردة: " وبواسطة العلاقات التي هيأها السجن لأبيك، بدأ يحصل على السلاح ويوصله إلى حسن العريبي وهو تاجر معروف في بني ملال، أصله من الساقية الحمراء. كانوا يذهبون في سيارتين، واحدة تحمل السلاح والأخرى تسبقها، فإن وجدت الدرك في الطريق رجعت. مرة وجدوا الدرك فدخلوا في شاطئ وتوعرت لهم العجلات في الرمل فبدؤوا يزيحونه بأيديهم. وقتها فقد أبوك الخاتم الذي جاءني المعطي عندما سجن أبوك مرة أخرى يقول:" أين خاتمه؟ لم أره في أصبعه في السجن.
ورآهم أحد عمال حسن العريبي فوشى بهم. رجع أبوك وجاء الخبر:" حسن العريبي فعل كذا وكذا وقد جاؤوا به إلى مركز الشرطة في الدار البيضاء." فبدأ ينام بملابسه. كنت أقول له:
- ماذا تنوي فيه؟
- رجل ولكن التعذيب...التعذيب!!!
عذبوه ثمانية أيام، كم أمسكوا من أشخاص؟ أمسكوا ثلاثين.إيوا عذبوهم حتى أقروا لهم به. "
كما صورت الكاتبة ما كان يتعرض له أبوه في السجن من تعذيب وحشي بعد الاستقلال عندما حبكت ضده تهمة التآمر ضد النظام الملكي من أجل التخلص منه ومن أمثاله من المعارضين والمنشقين الاتحاديين ثأرا وانتقاما بسبب أفكارهم الثورية التطلعية التي كانت تتغنى بالحرية والديمقراطية:" قلت لأمي وأنا أفكر في اليوم الذي عدت فيه من لندن وجاء يستقبلني في المطار. يومها كلمني شرطي بضراوة ورددت عليه بمثلها. ألم أكن عائدة من بلاد الديمقراطية؟ فرأيته، والدي، ينكص بجسده الذاوي ويتلفت مرعوبا ويبسط يده أمامه ويحركها في اضطراب، يعني:" اسكتي!اسكتي." فلفتني برودة شملت البلاد من حولي إذ أدركت في تلك اللحظة هول ماتعرض له على يد البوليس المغربي عندما سجن بعد الاستقلال بتهمة التآمر على النظام"
وتشخص الكاتبة في مكان آخر من الرواية العذاب الأليم الذي كان يتعرض له الوطنيون الاتحاديون في زنازينهم السجنية بدون رحمة أو شفقة، فتجسد معاناة أبيها داخل زنزانة التعذيب ومقصلة الجحيم البشري:" إنهم يضربونه على صدره وبطنه في ملابسه الداخلية منذ شهر ونصف. وعندما يسيل دمه يقلبونه بخشبة فيصير رأسه تحت ويضربونه على ظهره وهو ينكر. قالوا له:" وهذا الذي أقر بك؟" قال:" عدوي منذ أيام المدرسة. رماني بالباطل." والآن إن أعانه الله وثبت في كلامه سيطلقونه بعد أسبوع، غدا انتظريني هنا وسأدخل أكلك".
وتستنكر البنت ليلى هذه الأوضاع التعذيبية المستهجنة، وترفض أن تعذب السلطات الحاكمة المناضلين الوطنيين الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن، بعدما نالوا العذاب الأكبر في سجن الاستعمار السياسي لينالوا العذاب مرة أخرى في السجن السياسي المغربي بعد الاستقلال لمجرد اختلاف في وجهات النظر واختلاف في المنظورات والتصورات السياسية والحزبية والأيديولوجية:" كنت وقتها قد قمت بزيارة أولى لوالدي في سجن القنيطرة ولم أكن أفهم، مهما كانت وجهات نظر الطرف الآخر، أن يسجن المرء من أجل الاستقلال ثم يسجن عندما يأتي هذا الاستقلال. كنت متشبعة بأفكار معلبة ما في ذلك شك ولكنني كنت اعتقد أنه ليس من حق من بيده الأمر أن ينكل بخصمه مهما كان ذنبه، وأقول إن عليه في هذه الحالة أن يقول لنفسه:" لنفرض أن القوة كانت بيده هو، كانت آرائي أنا وقتها هي التي ستصبح خاطئة، فهل يصح لله التنكيل بي؟ كنت أعتقد أنه ليس من حق أي إنسان أن يعذب إنسانا آخر، لاسيما إذا كان ضعيفا بين يديه."
كما تكشف لنا الرواية عن كونها ملتقى لتصارع الأفكار الإيديولوجية والسياسية ، وتشخيص المواقف المتضادة وتجسيد التناقضات السياسية والحزبية الموجودة في مغرب الاستعمار ومغرب الاستقلال.
هذا، وقد صورت الكاتبة البنت ما تعرض له أبوها من التعذيب داخل سجنه سواء في المرحلة الاستعمارية أم بعد الاستقلال ، وكان يعد من أبرز الأعضاء النشيطين في حزب الاتحاديين يؤمن بالأفكار الاشتراكية الوافدة من الشرق الأوروپي، يدافع عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والقضاء على كل مايسبب الصراع الاجتماعي والتفاوت الطبقي . بيد أن الأب الذي صار باشا بني ملال في مغرب الاستقلال سرعان مايزج به في السجن مرة أخرى بتهمة الإعداد لمؤامرة الانقلاب على ملك المغرب إبان سنوات عقد الستين من القرن العشرين . فتعرض الوطنيون لعذاب قل نظيره أثناء سنوات الجمر والرصاص التي ذهب ضحيتها الكثير من المعارضين والوطنيين والمفكرين الاشتراكيين و الأبناء الأبرياء من هذا الشعب الأبي.
وعليه، تعد الرواية من روايات أدب السجن السياسي أو الرواية السياسية، إذ تصور الرواية مراحل الاعتقال والاستنطاق واختلاق التهم ضد المدعى عليه وإدخاله إلى الزنزانة وممارسة التعذيب الوحشي اللاإنساني ضده ، هذا التعذيب قد يؤدي بالضحية المعتقلة إلى الموت أو حياة البقاء، ولكن في حالة يرثى لها.
هذا، ويحضر نوعان من السجن السياسي في الرواية: السجن السياسي الاستعماري والسجن السياسي الوطني بعد الاستقلال، فالأول يستهدف التنكيل بالمواطنين الذين يعارضون وجود المحتل في المغرب ، والثاني يصادر حقوق الإنسان ويحرمه من حرياته الخاصة والعامة ، ويقمع كل من سولت له نفسه نقد النظام السياسي أو معارضته فكرا وتصورا واقتراحا.
ومن ناحية أخرى، تقدم الرواية مشاهد تراجيدية في التعذيب وتصوير الوطنيين المخلصين الذين استرخصوا حياتهم وأموالهم من أجل حرية البلاد والعمل على استقلال الوطن، فقد كان أحمد أبو زيد وطنيا يهرب الأسلحة من أجل التصدي للمحتل الغاشم،وفي هذا الصدد تقول الساردة: " وبواسطة العلاقات التي هيأها السجن لأبيك، بدأ يحصل على السلاح ويوصله إلى حسن العريبي وهو تاجر معروف في بني ملال، أصله من الساقية الحمراء. كانوا يذهبون في سيارتين، واحدة تحمل السلاح والأخرى تسبقها، فإن وجدت الدرك في الطريق رجعت. مرة وجدوا الدرك فدخلوا في شاطئ وتوعرت لهم العجلات في الرمل فبدؤوا يزيحونه بأيديهم. وقتها فقد أبوك الخاتم الذي جاءني المعطي عندما سجن أبوك مرة أخرى يقول:" أين خاتمه؟ لم أره في أصبعه في السجن.
ورآهم أحد عمال حسن العريبي فوشى بهم. رجع أبوك وجاء الخبر:" حسن العريبي فعل كذا وكذا وقد جاؤوا به إلى مركز الشرطة في الدار البيضاء." فبدأ ينام بملابسه. كنت أقول له:
- ماذا تنوي فيه؟
- رجل ولكن التعذيب...التعذيب!!!
عذبوه ثمانية أيام، كم أمسكوا من أشخاص؟ أمسكوا ثلاثين.إيوا عذبوهم حتى أقروا لهم به. "
كما صورت الكاتبة ما كان يتعرض له أبوه في السجن من تعذيب وحشي بعد الاستقلال عندما حبكت ضده تهمة التآمر ضد النظام الملكي من أجل التخلص منه ومن أمثاله من المعارضين والمنشقين الاتحاديين ثأرا وانتقاما بسبب أفكارهم الثورية التطلعية التي كانت تتغنى بالحرية والديمقراطية:" قلت لأمي وأنا أفكر في اليوم الذي عدت فيه من لندن وجاء يستقبلني في المطار. يومها كلمني شرطي بضراوة ورددت عليه بمثلها. ألم أكن عائدة من بلاد الديمقراطية؟ فرأيته، والدي، ينكص بجسده الذاوي ويتلفت مرعوبا ويبسط يده أمامه ويحركها في اضطراب، يعني:" اسكتي!اسكتي." فلفتني برودة شملت البلاد من حولي إذ أدركت في تلك اللحظة هول ماتعرض له على يد البوليس المغربي عندما سجن بعد الاستقلال بتهمة التآمر على النظام"
وتشخص الكاتبة في مكان آخر من الرواية العذاب الأليم الذي كان يتعرض له الوطنيون الاتحاديون في زنازينهم السجنية بدون رحمة أو شفقة، فتجسد معاناة أبيها داخل زنزانة التعذيب ومقصلة الجحيم البشري:" إنهم يضربونه على صدره وبطنه في ملابسه الداخلية منذ شهر ونصف. وعندما يسيل دمه يقلبونه بخشبة فيصير رأسه تحت ويضربونه على ظهره وهو ينكر. قالوا له:" وهذا الذي أقر بك؟" قال:" عدوي منذ أيام المدرسة. رماني بالباطل." والآن إن أعانه الله وثبت في كلامه سيطلقونه بعد أسبوع، غدا انتظريني هنا وسأدخل أكلك".
وتستنكر البنت ليلى هذه الأوضاع التعذيبية المستهجنة، وترفض أن تعذب السلطات الحاكمة المناضلين الوطنيين الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن، بعدما نالوا العذاب الأكبر في سجن الاستعمار السياسي لينالوا العذاب مرة أخرى في السجن السياسي المغربي بعد الاستقلال لمجرد اختلاف في وجهات النظر واختلاف في المنظورات والتصورات السياسية والحزبية والأيديولوجية:" كنت وقتها قد قمت بزيارة أولى لوالدي في سجن القنيطرة ولم أكن أفهم، مهما كانت وجهات نظر الطرف الآخر، أن يسجن المرء من أجل الاستقلال ثم يسجن عندما يأتي هذا الاستقلال. كنت متشبعة بأفكار معلبة ما في ذلك شك ولكنني كنت اعتقد أنه ليس من حق من بيده الأمر أن ينكل بخصمه مهما كان ذنبه، وأقول إن عليه في هذه الحالة أن يقول لنفسه:" لنفرض أن القوة كانت بيده هو، كانت آرائي أنا وقتها هي التي ستصبح خاطئة، فهل يصح لله التنكيل بي؟ كنت أعتقد أنه ليس من حق أي إنسان أن يعذب إنسانا آخر، لاسيما إذا كان ضعيفا بين يديه."
كما تكشف لنا الرواية عن كونها ملتقى لتصارع الأفكار الإيديولوجية والسياسية ، وتشخيص المواقف المتضادة وتجسيد التناقضات السياسية والحزبية الموجودة في مغرب الاستعمار ومغرب الاستقلال.
ب- الصراع الاجتماعي:
تعكس لنا الرواية الصراع الاجتماعي والأسروي داخل المجتمع المغربي إبان الاستعمار الفرنسي وفترة الاستقلال وما بعده. إذ كانت الزوجة تتعرض لكثير من الإهانات التي تحط من كرامتها وهيبتها الاجتماعية، و كانت تعاني أيضا من المضايقات المفروضة من قبل المجتمع سواء أكان ذكوريا أم أثويا بطريقة سادية ومازوشية ، وكانت تتعرض كذلك للضغوطات النفسية والاقتصادية والعائلية والسياسية، وخاصة ضغوطات الحم والحماة وموقفهما الرافض لوجود زوجة الابن التي تشكل عبئا كبيرا بالنسبة للأسرة المستقبلة، كما يشكل الابن اجتماعيا في منظور الأسرة المبجلة للذكور المورد الأساس للأسرة في إعانتها واستمرار وجودها.
لذا، تكثر في أجواء هذه الأسر التي تنظر إلى الأنثى نظرة ازدراء واحتقار واستهجان الصراعات الحادة والمشاحنات المتقدة، وغالبا ما ينتهي الزواج في هذه الظروف الحالكة الملبدة بالسواد والأحقاد وغيوم الشجار بالطلاق، وتشتت الأسرة الصغيرة والكبيرة وضياع الأبناء ، ولجوء الزوجة المضطهدة إلى الأولياء الصالحين تبركا وتوسلا واستعانة، أو اللجوء إلى السحرة والمشعوذين للحفاظ على نواة الأسرة والتصدي لكل الحاقدين والمفسدين الذين يريدون تدمير الأسرة والتفريق بين الزوح والزوجة .
فقد عايشت الكاتبة كل هذه الأحداث المتقلبة ؛لأنها كانت قريبة جدا من أمها ، تستنطقها في كل تفاصيل حياتها الداخلية، وتستقرىء صراعاتها ضد أسرة الزوج البدوية الملمح ، وصراع هذه الأخيرة مع أسرة الزوجة التي كانت مدينية الطابع. وقد تأجج هذا الصراع العائلي عداوة وتفككا مع اعتقال الأب في سجن الاستعمار وسجن الاستقلال، وعصفت مجموعة من الظروف بالأم خاصة حينما اكتشفت حقيقة زوجها المتزوج عليها، ولكن سرعان ماعرفت الحقيقة وبرأته من هذا الفعل ، واستمرت تنتظر بعلها سنوات عديدة حتى خرج من السجن لتقضي معه بعض الوقت في بني ملال حينما عين باشا المدينة جزاء على ما قدمه من خدمات كبرى للوطن ضد العدو المحتل، ليعود مرة أخرى إلى السجن بتهمة المؤامرة ضد النظام، لتعرف الأسرة من جديد تقلبات عائلية وصراعات حادة ستسفر عن تصالح الأم مع جد ليلى بعد أن تفاقمت المشاكل وكثرت الإحن بين عائلتي الزوج والزوجة.
لذا، تكثر في أجواء هذه الأسر التي تنظر إلى الأنثى نظرة ازدراء واحتقار واستهجان الصراعات الحادة والمشاحنات المتقدة، وغالبا ما ينتهي الزواج في هذه الظروف الحالكة الملبدة بالسواد والأحقاد وغيوم الشجار بالطلاق، وتشتت الأسرة الصغيرة والكبيرة وضياع الأبناء ، ولجوء الزوجة المضطهدة إلى الأولياء الصالحين تبركا وتوسلا واستعانة، أو اللجوء إلى السحرة والمشعوذين للحفاظ على نواة الأسرة والتصدي لكل الحاقدين والمفسدين الذين يريدون تدمير الأسرة والتفريق بين الزوح والزوجة .
فقد عايشت الكاتبة كل هذه الأحداث المتقلبة ؛لأنها كانت قريبة جدا من أمها ، تستنطقها في كل تفاصيل حياتها الداخلية، وتستقرىء صراعاتها ضد أسرة الزوج البدوية الملمح ، وصراع هذه الأخيرة مع أسرة الزوجة التي كانت مدينية الطابع. وقد تأجج هذا الصراع العائلي عداوة وتفككا مع اعتقال الأب في سجن الاستعمار وسجن الاستقلال، وعصفت مجموعة من الظروف بالأم خاصة حينما اكتشفت حقيقة زوجها المتزوج عليها، ولكن سرعان ماعرفت الحقيقة وبرأته من هذا الفعل ، واستمرت تنتظر بعلها سنوات عديدة حتى خرج من السجن لتقضي معه بعض الوقت في بني ملال حينما عين باشا المدينة جزاء على ما قدمه من خدمات كبرى للوطن ضد العدو المحتل، ليعود مرة أخرى إلى السجن بتهمة المؤامرة ضد النظام، لتعرف الأسرة من جديد تقلبات عائلية وصراعات حادة ستسفر عن تصالح الأم مع جد ليلى بعد أن تفاقمت المشاكل وكثرت الإحن بين عائلتي الزوج والزوجة.
3- الخصائص الفنية والجمالية:
تتكئ الرؤية السردية في الرواية على" الرؤية مع" أو الرؤية الداخلية المصاحبة؛ بسبب وجود ضمير المتكلم والراوي المشارك داخل القصة ، وحضور الأنا التي تلتقط تفاصيل الذات والواقع الموضوعي بواسطة ضمير التكلم بوحا واعترافا وتذكرا وتخييلا.
وتقوم الساردة في هذه الرواية بعدة وظائف ، فإلى جانب وظيفة الحكي والسرد، تستند الراوية إلى وظيفة التعبير والانفعال والتبليغ والتصوير والوصف وتبئير الوظيفة الشعرية واللغوية بله عن الوظيفة الإيديولوجية والتوثيق المرجعي.
وتشغل الكاتب شخصيات مكثفة إنسانية متطاحنة اجتماعيا وأخلاقيا وقيميا ووطنيا ، وتنتمي هذه الشخصيات إلى مرجعيات عدة، كمرجع الأسرة ومرجع الاستعمار ومرجع السلطة ومرجع الشعب ومرجع المدرسة ومرجع حقوق الإنسان.
وتحتوي الرواية أيضا على فضاءات متنوعة ومتناقضة جدليا، تتسم بكونها فضاءات عدوانية بشعة تتسم بالقمع والعدوانية والتعذيب ومصادرة
وتقوم الساردة في هذه الرواية بعدة وظائف ، فإلى جانب وظيفة الحكي والسرد، تستند الراوية إلى وظيفة التعبير والانفعال والتبليغ والتصوير والوصف وتبئير الوظيفة الشعرية واللغوية بله عن الوظيفة الإيديولوجية والتوثيق المرجعي.
وتشغل الكاتب شخصيات مكثفة إنسانية متطاحنة اجتماعيا وأخلاقيا وقيميا ووطنيا ، وتنتمي هذه الشخصيات إلى مرجعيات عدة، كمرجع الأسرة ومرجع الاستعمار ومرجع السلطة ومرجع الشعب ومرجع المدرسة ومرجع حقوق الإنسان.
وتحتوي الرواية أيضا على فضاءات متنوعة ومتناقضة جدليا، تتسم بكونها فضاءات عدوانية بشعة تتسم بالقمع والعدوانية والتعذيب ومصادرة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire